فصل: تطهير الأرض:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.2- الدم:

سواء كان دما مسفوحا -أي مصبوبا- كالدم الذي يجري من المذبوح، أم دم حيض، إلا أنه يعفى عن اليسير منه، فعن ابن جريج في قوله تعالى: {أو دما مسفوحا} قال: المسفوح الذي يهراق.
ولا بأس بما كان في العروق منها، أخرجه ابن المنذر، وعن أبي مجلز في الدم، يكون في مذبح الشاة أو الدم يكون في أعلى القدر؟ قال: لا بأس، إنما نهى عن الدم المسفوح، أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر، وقال الحسن: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، ذكره البخاري، وقد صح أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يشعب دما، قاله الحافظ في الفتح: وكان أبو هريرة رضي الله عنه لا يرى بأسا بالقطرة والقطرتين في الصلاة.
وأما دم البراغيث وما يتشرح من الدمامل فإنه يعفى عنه لهذه الاثار وسئل أبو مجلز عن القيح يصيب البدن والثوب؟ فقال: ليس بشئ، وإنما ذكر الله الدم ولم يذكر القيح.
وقال ابن تيمية: ويجب غسل الثوب من المدة والقيح والصديد، قال: ولم يقم دليل على نجاسته، انتهى والأولى أن يتقيه الإنسان بقدر الإمكان.

.3- لحم الخنزير:

قال الله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} أي فإن ذلك كله خبيث تعافه الطباع السليمة، فالضمير راجع إلى الانواع الثلاثة، ويجوز الحرز بشعر الخنزير في أظهر قولي العلماء.

.4، 5، 6- قئ الادمي وبوله ورجيعه:

ونجاسة هذه الاشياء متفق عليها، إلا أنه يعفى عن يسير القئ ويخفف في بول الصبي الذي لم يأكل الطعام فيكتفى في تطهيره بالرش لحديث أم قيس رضي الله عنها «أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام، وأن ابنها ذاك بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلا» متفق عليه، وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بول الغلام ينضح عليه، وبول الجارية يغسل» قال قتادة: وهذا ما لم يطعما فإن طعما غسل بولهما، ورواه أحمد - وهذا لفظه - وأصحاب السنن إلا النسائي.
قال الحافظ في الفتح: وإسناده صحيح، ثم أن النضح إنما يجزئ مادام الصبي يقتصر على الرضاع.
أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف.
ولعل سبب الرخصة في الاكتفاء بنضحه ولوع الناس بحمله المفضي إلى كثرة بوله عليهم، ومشقة غسل ثيابهم، فخفف فيه ذلك.

.7- الودي:

وهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول وهو نجس من غير خلاف.
قالت عائشة: وأما الودي فإنه يكون بعد البول فيغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ولا يغتسل، ورواه ابن المنذر.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المني والودي والمذي، أما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي فيهما إسباغ الطهور رواه الاثرم والبيهقي ولفظه: «وأما الودي والمذي فقال: اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضوءك في الصلاة».

.8- المذي:

وهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو عند الملاعبة، وقد لا يشعر الإنسان بخروجه، ويكون من الرجل والمرأة إلا أنه من المرأة أكثر، وهو نجس باتفاق العلماء، إلا أنه إذا أصاب البدن وجب غسله وإذا أصاب الثوب اكتفي فيه بالرش بالماء، لأن هذه نجاسة يشق الاحتراز عنها، لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزب، فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام.
وعن علي رضي الله عنه قال: «كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، لمكان ابنته فسأل، فقال: توضأ واغسل ذكرك» رواه البخاري وغيره، وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء، وكنت أكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنما يجزيك من ذلك الوضوء فقلت يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث أنه قد أصاب منه» رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي الحديث محمد بن إسحاق، وهو ضعيف إذا عنعن، لكونه مدلسا، لكنه هنا صرح بالتحديث.
ورواه الاثرم رضي الله عنه بلفظ: كنت ألقى من المذي عناء فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: «يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه».

.9- المني:

ذهب بعض العلماء إلى القول بنجاسته والظاهر أنه طاهر، ولكن يستحب غسله إذا كان رطبا، وفركه إن كان يابسا.
قالت عائشة رضي الله عنها: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا وأغسله إذا كان رطبا» رواه الدار قطني وأبو عوانة والبزار وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ فقال: إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة رواه الدار قطني والبيهقي والطحاوي، والحديث قد اختلف في رفعه ووقفه.

.10- بول وروث ما لا يؤكل لحمه:

وهما نجسان، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: «هذا رجس» رواه البخاري وابن ماجه وابن خزيمة، وزاد في رواية «إنها ركس إنها روثة حمار» ويعفى عن اليسير منه، لمشقة الاحتراز عنه.
قال الوليد بن مسلم: قلت للاوزاعي: فأبوال الدواب مما لا يؤكل لحمه كالبغل، والحمار والفرس؟ فقال: قد كانوا يبتلون بذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد أو ثوب.
وأما بول وروث ما يؤكل لحمه، فقد ذهب إلى القول بطهارته مالك وأحمد وجماعة من الشافعية.
قال ابن تيمية: لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته، بل القول بنجاسته قول محدث لا سلف له من الصحابة. انتهى.
قال أنس رضي الله عنه: «قدم أناس من عكل أو عريته فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها» رواه أحمد والشيخان دل هذا الحديث على طهارة بول الإبل وغيرها من مأكول اللحم يقاس عليه.
قال ابن المنذر: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الاقوام لم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل قال: وفي ترك أهل العلم بيع بعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير، دليل على طهارتها.
وقال الشوكاني: الظاهر طهارة الابوال والازبال من كل حيوان يؤكل لحمه، تمسكا بالاصل، واستصحابا للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الاصل والبراءة، فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما، ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلا لذلك.

.11- الجلّالة:

ورد النهي عن ركوب الجلالة وأكل لحمها وشرب لبنها.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي وفي رواية: «منهي عن ركوب الجلالة» رواه أبو داود.
وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة: عن ركوبها وأكل لحومها» رواه أحمد والنسائي وأبو داود.
والجلالة: هي التي تأكل العذرة، من الإبل والبقر والغنم والدجاج والاوز وغيرها، حتى يتغير ريحها.
فإن حبست بعيدة عن العذرة زمنا، عفلت طاهرا فطاب لحمها وذهب اسم الجلالة عنها حلت، لأن علة النهي والتغيير، وقد زالت.

.12- الخمر:

وهي نجسة عند جمهور العلماء، لقول الله تعالى {إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان} وذهبت طائفة إلى القول بطهارتها، وحملوا الرجس في الآية على الرجس المعنوي، لأن لفظ {رجس} خبر عن الحمر، وما عطف عليها، وهو لا يوصف بالنجاسة الحسية قطعا، قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الاوثان} فالاوثان رجس معنوي، لا تنجس من مسها: ولتفسيره في الآية بأنه من عمل الشيطان، يوقع العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وفي سبل السلام: والحق أن الاصل في الاعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة وهي طاهرة، وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم ولا عكس، وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملامستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها، بخلاف الحكم بالتحريم، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة وإجماعا إذا عرفت هذا فتحريم الخمر والخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاسهما، بل لابد من دليل آخر عليه، وإلا بقيا على الاصول المتفق عليها من الطهارة، فمن ادعى خلافه فالدليل عليه.

.13- الكلب:

وهو نجس ويجب غسل ما ولغ فيه سبع مرات، أولاهن بالتراب، حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والبيهقي: ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد ألقي ما أصابه وما حوله، وانتفع بالباقي على طهارته السابقة.
أما شعر الكلب فالاظهر أنه طاهر، ولم تثبت نجاسته.

.تطهير البدن والثوب:

الثوب والبدن إذا أصابتهما نجاسة يجب غسلهما بالماء حتى تزول عنهما إن كانت مرئية كالدم، فإن بقي بعد الغسل أثر يشق زواله فهو معفو عنه، فإن لم تكن مرئية كالبول فإنه يكتفى بغسله ولو مرة واحدة، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به؟ فقال: «تحته ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه» متفق عليه، وإذا أصابت النجاسة ذيل ثوب المرأة تطهره الأرض، لما روي، أن امرأة قالت لأم سلمة رضي الله عنهما: إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت لها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطهره ما بعده» رواه أحمد وأبو داود.

.تطهير الأرض:

تطهر الأرض إذا أصابتها نجاسة بصب الماء عليها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» رواه الجماعة إلا مسلما.
وتطهر أيضا بالجفاف هي وما يتصل بها اتصال قرار، كالشجر والبناء.
قال أبو قلابة: جفاف الأرض طهورها، وقالت عائشة رضي الله عنها: «زكاة الأرض يبسها» رواه ابن أبي شيبة.
هذا إذا كانت النجاسة مائعة، أما إذا كان لها جرم فلا تطهر إلا بزوال عينها أو بتحولها.

.تطهير السمن ونحوه:

عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ألقوها، وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم» رواه البخاري.
قال الحافظ: نقل ابن عبد البر الاتفاق على أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه، إذا تحقق أن شيئا من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه، وأما المائع فاختلفوا فيه فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاته النجاسة، وخالف فريق منهم الزهري والاوزاعي.

.تطهير جلد الميتة:

يطهر جلد الميتة ظاهرا وباطنا بالدباغ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دبغ الاهاب فقد طهر» رواه الشيخان.

.تطهير المرآة ونحوها:

تطهير المرآة والسكبن والسيف والظفر والعظم والزجاج والانية وكل صقيل لا مسام له بالمسح الذي يزول به أثر النجاسة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون وهم حاملو سيوفهم وقد أصابها الدم، فكانوا يمسحونها ويجتزئون بذلك.

.تطهير النعل:

يطهر النعل المتنجس والخف بالدلك بالأرض إذا ذهب أثر النجاسة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وطئ أحدكم بنعله الاذى فإن التراب له طهور» رواه أبو داود.
وفي رواية: «إذا وطئ الاذى بخفيه فطهورهما التراب» وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما، فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما» رواه أحمد وأبو داود، ولأنه محل تتكرر ملاقاته للنجاسة غالبا، فأجزأ مسحه بالجامد كمحل الاستنجاء بل هو أولى، فإن محل الاستنجاء يلاقي النجاسة مرتين أو ثلاثا.

فوائد تكثر الحاجة إليها:
1- حبل الغسيل ينشر عليه الثوب النجس ثم تجففه الشمس أو الريح، لا بأس بنشر الثوب الطاهر عليه بعد ذلك.
2- لو سقط شيء على المرء لا يدري هل هو ماء أو بول لا يجب عليه أن يسأل، فلو سأل لم يجب على المسئول أن يجيبه ولو علم أنه نجس، ولا يجب عليه غسل ذلك.
3- إذا أصاب الرجل أو الذيل بالليل شيء رطب. لا يعلم ما هو، لا يجب عليه أن يشمه ويتعرف ما هو، لما روى: أن عمر رضي الله عنه مر يوما، فسقط عليه شيء من ميزاب، ومعه صاحب له فقال: يا صحب الميزاب ماؤك طاهرا أو نجس فقال عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبرنا، ومضى.
4- لا يجب غسل ما أصابه طين الشوارع. قال كميل بن زياد: رأيت عليا رضي الله عنه يخوض طين المطر، ثم دخل المسجد فصلى ولم يغسل رجليه.
5- إذا انصرف الرجل من صلاة رأى على ثوبه أو بدنه نجاسة لم يكن عالما بها، أو كان يعلمها ولكنه نسيها أو لم ينسها ولكنه عجز عن إزالتها فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، لقوله تعالى: {ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} وهذا ما أفتى به كثير من الصحابة والتابعين.
6- من خفي عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه غسله كله، لأنه لا سبيل إلى العلم بتيقن الطهارة إلا بغسله جميعه، فهو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.